في قمة "الناتو" المنعقدة الأسبوع الماضي في العاصمة البرتغالية لشبونة، وافق رؤساء الدول المشاركة في الحلف على تسليم مسؤولية الأمن في أفغانستان إلى الأفغان بحلول عام 2014. ومع ذلك كانت هناك حقيقة واضحة، بيد أن أحداً في المؤتمر لم يتطرق إليها، وهي موضوع المحادثات مع "طالبان". فقادة "الناتو" تحدثوا عن إنهاء الحرب، لكنهم لم يقدم اقتراحاً حول الكيفية التي سيتم بها ذلك. ولا يختلف المراقبون للشأن الأفغاني حول حقيقة أن هناك طريقين لتحقيق الاستقرار والأمن في أفغانستان: إما إلحاق الهزيمة بـ"طالبان"، أو الدخول معها في مفاوضات قد تساعد على إحلال السلام في ذلك البلد قبل التاريخ المحدد من الأميركيين، وهو 2014. هذه النقطة تحديداً، أي المفاوضات مع "طالبان"، هي من النقاط العالقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان. فكرزاي مصمم على أن محاورة "طالبان" هي الخيار الوحيد الذي يمكن أن ينهي الحرب الدائرة في بلاده. لكن "بترايوس"، قائد القوات الأميركية وقوات "الناتو" في أفغانستان، يبدي تشككاً حيال ذلك، ويرى أنه يجب إخضاع "طالبان" عسكرياً وإلحاق هزيمة تامة بها أولاً، قبل الدخول في أي مفاوضات معها. زرت مؤخراً أفغانستان والتقيت بكرزاي، وبترايوس، وأربعة من قادة "طالبان" السابقين يعيشون حالياً في كابول. وتبين لي من خلال اللقاءات التي أجريتها، أن كل طرف ينظر إلى موضوع إحلال السلام والاستقرار من منظور مختلف، بيد أن ذلك لا يمنعني من القول إنني خرجت من الأحاديث التي أجريتها ببعض الاستخلاصات التي يمكن اعتبارها مدعاة للتفاؤل. فمن خلال لقاءات متفرقة أجريتها مع كل قائد من قادة "طالبان" السابقين، اتضح لي أنهم كلهم يعبرون عن رسالة واحدة هي أن المحادثات الجادة أمر ممكن، شريطة أن يتمكن قادة "طالبان" الحاليون من التفاوض في مكان محايد. وهم يرون أن أفغانستان واقعة تحت الاحتلال الأميركي، وأن الاستخبارات العسكرية الباكستانية تحاول استغلالهم. وقد اقترح هؤلاء القادة عدة أماكن للتفاوض، ومن ذلك إحدى الدول الخليجية، أو تركيا أو ألمانيا أو اليابان. وللعلم فهؤلاء الأربعة، هم قادة سابقون كانوا يشغلون مناصب مهمة خلال الفترة التي حكمت فيها الحركة البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وهم لا يريدون الإفصاح عن شخصياتهم لأسباب أمنية، خصوصاً وأن بعضهم قبض عليه، وحُبس في سجون أميركية لمدة طويلة قبل الإفراج عنه في نهاية المطاف. والأربعة يعيشون في كابول تحت حماية أمنية مشددة توفرها الحكومة الأفغانية. لكن من الأمور المعروفة أنهم على علاقة بشكل ما مع قيادة الحركة، وأن النظام في كابول قد استخدمهم كوسطاء في الماضي. منذ أن أبدت الأطراف المعنية بالشأن الأفغاني، اهتماماً بمناقشة إمكانية التفاوض، وذلك من خلال مباحثات أجريت معهم في السعودية وغيرها، وإن لم تتحرك تلك المحادثات خطوة للأمام. ومما يشار إليه في هذا السياق أن قادة "طالبان" الذين يعملون من باكستان ينكرون، أن تلك المحادثات قد تمت ويصرون على أن الولايات المتحدة يجب أن تُهزم في أفغانستان. لكن هؤلاء القادة الأربعة يعترفون أن تلك المحادثات قد تمت، وقدموا بالفعل مقترحات للمضي فيها قُدماً. من تلك المقترحات الإفراج عن السجناء المنتمين للحركة في السجون الأميركية، سواء في "باجرام" العسكري أم في جوانتانامو. كما يدعون إلى شطب أسماء قادة "طالبان" من قائمة تحتفظ بها الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1267 الصادر في عام 1999، والذي يحظر السفر جواً على هؤلاء القادة ويدعو لمصادرة ممتلكاتهم. وتضم القائمة حالياً أسماء 433 شخصاً يشتبه في انتمائهم لـ"القاعدة" و"طالبان"، وذلك بعد أن تم إلغاء 45 اسماً بطلب من حكومة كابول، كبادرة حسن نية تبديها الولايات المتحدة تجاه الحركة. وفي اللقاء الذي أجريته مع كرزاي قال لي إنه يود رؤية المفاوضات وقد تحركت قدماً للأمام، وإنه حاول إقناع أوباما بعدم الاكتفاء بدعم المباحثات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" وأن يعمل على إشراك الولايات المتحدة بشكل مباشر في تلك المحادثات، وهو الشيء الذي طلبته منه "طالبان" أيضاً، على حد قوله. أما بترايوس فقال في لقائي معه إنه يؤمن بأن "طالبان" سوف تصبح مقتنعة بإجراء المفاوضات بنية صادقة، إذا ما تم إضعاف قوتها عسكرياً، وإنه يتعين على الحركة أن تعلن عدم ارتباطها بـ"القاعدة". لكن بعض جوانب الاستراتيجية الأميركية الرامية لهزيمة "طالبان" عسكرياً أحدثت خلافاً بين أميركا وكرزاي الذي قال إنه يرغب في وقف القوات الأميركية في بلاده لغاراتها الليلية والكف عن استهداف قادة الحركة، وهي استراتيجية تتبعها تلك القوات منذ عدة شهور وأسفرت، حسب المصادر الأميركية، عن أسر 368 من قيادات "طالبان" المتوسطة وقتل 968 من مقاتليها العاديين. ويشار إلى أن عناصر معتدلة من قادة طالبان تعترف بأنهم فشلوا في إدارة البلاد عندما قبضوا على زمام السلطة في التسعينيات، وإنهم قد يواجهون نفس المشكلة الآن، إذا ما تمكنوا من هزيمة القوات الأميركية، وأنهم لذلك على استعداد للدخول في مفاوضات تفضي إلى اتفاقية لتقاسم السلطة مع حكومة كرزاي. وهذه الصفقة يمكن التوصل إليها من خلال مؤتمر دولي مثل مؤتمر بون الذي عقد عام 2001 وجاء بحكومة كرزاي. ومن المفهوم هنا أن أي محادثات رسمية يجب أن تبدأ بإجراءات لبناء الثقة تطمئن قادة "طالبان" وتقنعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهذه المبادرة يجب أن تكون متبوعة بمفاوضات حول شكل وطريقة تكوين الحكومة المقبلة. وبالطبع ستكون هناك موضوعات شائكة، مثل دور الشريعة الإسلامية في المجتمع، والطريقة التي سيتم بها تقاسم السلطة (في كابول وفي المقاطعات)، ودور المرأة، ونوع النظام التعليمي. وفي واشنطن، لا تزال الإدارة الأميركية منقسمة حول هذين الموضوعين حيث يوجد اتجاهان؛ أحدهما ممثل في المستشارين المدنيين الذين يضغطون من أجل التوصل لاستراتيجية خروج، والثاني تمثله البنتاجون التي تدعو لتحقيق نصر صريح على "طالبان". وفي رأيي أن الخيار الثاني غير مرجح الحدوث لدرجة كبيرة، أما الخيار الأول فهو يتطلب تحقيق النجاح في المفاوضات. أحمد رشيد صحفي باكستاني متخصص في الشأن الأفغاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"